تراث عبد الناصر من الشعارات- وهم أم دمار للأجيال؟

المؤلف: عبده خال09.17.2025
تراث عبد الناصر من الشعارات- وهم أم دمار للأجيال؟

يا له من خراب شامل خلّفه جمال عبد الناصر قبل رحيله! الخراب الذي أعنيه هو تركة الشعارات الرنانة التي تبناها وصدقها ثلاثة أرباع العالم العربي، بل وصدقوا أنفسهم بها أيضًا. وخلال تلك المغامرة البلاغية، رهن مقدرات بلاده من أجل شعارات لم يكن هو نفسه يؤمن بها، على الأقل في السنوات الأخيرة من حياته. فالتسجيل الصوتي الذي تم تسريبه يشير بوضوح إلى أن الرئيس جمال قد وصل إلى قناعة راسخة بعدم جدوى الحرب، وأنه لم تعد هناك قضية تستحق القتال، فمن أراد النضال فليفعل، ومن أراد الهجوم فلينطلق. ولكن، ويا للأسف، لقد وصل إلى هذه القناعة متأخرًا جدًا، وكان من المفترض به أن يعلن ذلك صراحةً، فالصدق هو طوق النجاة. ويبدو أن الكثير من القضايا السياسية تخفي وراء ظاهرها حقائق أخرى مغايرة تمامًا، وأن الحقيقة المخفية هي ما لم يدركه جموع المناضلين والضحايا الذين قضوا نحبهم في حروب عبثية لا طائل منها.

وعندما استمعت إلى ذلك التسجيل الذي دار بين جمال ومعمر القذافي، تذكرت على الفور عشرات المواقف التي كان الساسة العرب يتشدقون بها في القمم والمحافل وعلى شاشات التلفزة المختلفة. لقد كان قادة دول المواجهة مجرد تجار يتاجرون بالقضية، وبالأخص أولئك الذين يدّعون أنهم أصحاب القضية الأصليين. وسيتم الكشف عن مسيرة كل واحد منهم بعد موتهم، وبعد موت الملايين الذين كانوا وقودًا لحروب الشعارات والمواجهات الوهمية. يا لبؤس جيل الخمسينات والستينات الذين تم غسل أدمغتهم بالشعارات الزائفة (الناصرية والقومية والبعث)، وتلتها شعارات أخرى لا تقل زيفًا في السبعينات والثمانينات، وإلى يومنا هذا، ما زال هناك ضحايا يسقطون بسبب هذه الشعارات الكاذبة.

والوضع الراهن للقضية في عام 2025 لا يزال يدور في حلقة مفرغة من نفس الشعارات القديمة. تذكرت الرئيس بورقيبة عندما نصح بتقاسم الأرض، فوُوجه بالتخوين والتشهير طوال السنوات الماضية. والآن، يحلم الجميع بحل مماثل لحل بورقيبة، ولكن هيهات أن يتحقق ذلك.

ضحايا الشعارات، وبالأخص (الناصريون)، ما زال بعضهم على قيد الحياة، وما زالوا يستميتون في الدفاع عن جمال عبد الناصر، حتى بعد انتشار ذلك التسجيل الفاضح. ومن المثير للدهشة أن أحد الناصريين المتعصبين يقسم بأن ما تم إذاعته من التسجيل ليس سوى نتاج للذكاء الاصطناعي. ويؤكد هذا الناصري أن أعداء الناصرية لم يتمكنوا من هزيمتها على مر السنين، فلجأوا إلى الذكاء الاصطناعي للنيل من الزعيم العظيم!

كيف يمكن للواقع أن يكون سليمًا وقائمًا على أسس صحيحة، بينما الماضي بُني على أسس هشة وغير متينة؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة